المبحث الثالث
ضوابط التداوي بالرقى والتمائم
لكي تؤتى الرقى ثمارها المرجوة، وهي تحقيق الشفاء للمريض؛ لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية- عند استعمالها- في كل من الرقية، والراقي، والمرقى.
المطلب الأول: الضوابط الشرعية للرقية. بينا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ممن كانوا يرقون قبل الإسلام أن يعرضوا عليه رقاهم للنظر في إقرارها واعتبارها شرعية. فما الضوابط التي ينبغي أن تقيد الرقية بها حتى تكون شرعية؟
أولاً: أن يكون للرقية أصل في القرآن أو السنة:
اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الرقية أو التميمة أن يكون لها أصل في القرآن أو السنة. بأن تكون موافقة لهما(252). فتجوز الرقية بآية أو آيات من كتاب الله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، أو بذكر الله تعالى أو دعائه الذي ورد في القرآن أو السنة.
ويؤيد ذلك ما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: "جاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى. قال: فعرضوها عليه. فقال: ما أرى بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"(253).
252- انظر حاشية ابن عابدين (6/363) والشرح الصغير للدردير (4/768) والجامع من المقدمات لابن رشد (307) والمجموع للنووي (9/54) وفتح الباري لابن حجر (10/197) ش ح(5735) والآداب الشرعية لابن مفلح (1/455).
253- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمه والنظرة ح(2199) وأحمد في مسنده (3م382) والبيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب إباحة الرقية (9/348) قال الألباني: وفي الحديث رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك ما كان معناه معروفاً مشروعاً، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير جائز- انظر الصحيح ح(472).
فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من آل عمرو بن حزم أن يعرضوا عليه رقاهم ليرى هل هي موافقة لما جاء به من القرآن أو لا. فأقرها لأنها موافقة. وقال لهم: "ما أرى بأساً".
وروى الترمذي عن أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: "أعوذ بالله من الجان ومن عين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما"(254).
وقال الربيع سألت الشافعي عن الرقى فقال: "لا بأس إن رقى بكتاب الله، أو بما يعرف من ذكر الله"(255).
أما إذا لم يكن للرقية أو التميمة أصل في القرآن أو السنة، أو لم تكن موافقة لهما، فيحرم التداوي بها؛ فلا يجوز التداوي بالرقى اليهودية والنصرانية المخالفة لما في القرآن والسنة، ولا يجوز التداوي بتعليق خرزة زرقاء، أو حلقة من حديد أو نحاس أو خزف، ولا بتراب قبر ولي، أو بتعليق قطعة سترة تابوت ولي، أو بالشرب من ماء طاسة الضربة "الرجه"، أو غير ذلك من الخرافات التي ورثها الناس عن الشعوب الجاهلية؛ مما لا يوجد له أصل في القرآن والسنة.
والقرآن الكريم كله شفاء يصح التداوي بأية سورة منه، أو آية منه؛ لقوله تعالى: (وننزل من القرآن ما فيه شفاء ورحمة للمؤمنين)(256). وهنا "من" الآية للبيان، وليست للتبعيض، لأنه يلزم من كونها للتبعيض أن بعض القرآن لا شفاء فيه، وهو ليس كذلك(257).
254- أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين ح(2065) وقال: هذا حديث حسن غريب والنسائي في سننه: كتاب الاستعاذة من عين الجان ح(5509) وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب من استرقى من العين ح(3511) وانظر تحفة الأشراف ح(4327) وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(1681).
255-انظر فتح الباري لابن حجر(10/195) ش ح(5735)
. 256- سورة الإسراء: (82).257- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/315).
لكن الأولى تحرى الآيات والسور التي ورد استعمالها في الرقى والتعوذات، لإعطاء نتائج سريعة. ومن ذلك:
1- فاتحة الكتاب.
2- المعوذات (قل هو الله أحد …، قل أعوذ برب الفلق… ، وقل أعوذ برب الناس…)
. 3- آية الكرسي (البقرة 255)
. 4- أســـماء الله تعالى وصفاته
. 5- آيات الأدعـــية والأذكــار.
وفى الســنة النبوية وردت تعــوذات لكثير من الأمراض تنظر في مواضعها من كــتب الأحاديث. وكان النبــي صلى الله عليه وسلم يكثر من اســتعمال هذه الرقيــة: "اللهــم رب الناس اذهب الباس اشــف أنت الشافي لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر ســـقماً"(258). وكان صلى الله عليه وسلم إذا مرض رقاه جبريـل عليه الســلام فقال: "باسـم اللـه يبريك، من كل داء يشـفيك ، ومن شـــر حاســـد إذا حســد، وشر كل ذي عيـن".
258- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب دعاء العائد للمريض ح(5675) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب استحباب رقية المريض ح(2191) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883) والترمذي في سننه: كتاب أحاديث شتى: باب في دعاء المريض ح(3576) وقال هذا حديث حسن وابن ماجة في سننه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في ذكر مرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) ح(1619) وانظر تحفة الأشراف ح(17638) وأخرجه احمد في مسنده (3/267) و(04/259) و(6/42) والنسائي في اليوم والليلة ح(1042) وابن السني في اليوم والليلة ح(543) قال النووي: الحديث فيه استحباب مسح المريض باليمين والدعاء له وقد جاءت فيه روايات كثيرة صحيحة جمعتها في كتاب الأذكار. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/180).
وفى رواية قال جبريل: "باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك"(259).
ثانياً: أن لا تتضمن الرقية شركاً.
الشرك لغة: من أشرك بالله إذا كفر به فهو مشرك(260). وشرك الإنسان في الدين ضربان(261).
الأول: الشرك العظيم، وهو إثبات شريك لله تعالى. يقال أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر. قال تعالى:
(إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً)(262).
وهذا الضرب أنواع وهى:
1- شرك الاستقلال: وهو إثبات إلهين مستقلين كشرك المجوس
. 2- شرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى.
3- شرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية.
259- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب الطب والمرض والرقى ح(2186) والترمذي في سننه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في التعوذ للمريض ح(974) وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب ما عوذ به النبي (صلى الله عليه وسلم) وما عوذ به ح(3523) وانظر تحفة الأشراف ح(4363) وأخرجه أحمد في مسنده (3/28-56) والنسائي في اليوم والليلة ح(1005) قال النووي هذا تصريح بالرقى بأسماء الله تعالى وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره، وقوله من شر كل نفس قيل: يحتمل أن المراد بالنفس نفس الأدمي وقيل يحتمل أن المراد بها العين فإن النفس تطلق على العين ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/170).
260- انظر المصباح المنير الفيومي (1/423).
261- انظر تقسيم الشرك في: المفردات للراغب الأصفهاني (259)، بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي 3/313، الكليات لأبي البقاء (3/70)
.262- سورة النساء: (116).
4- شرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعاً للغير، كشرك متأخري الجاهلية.
5- شرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك، فمن قال في الأسباب العادية: إنها تؤثر بطبعها فقد كفر. بخلاف من قال: إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها فلا يكفر وإنما يعتبر فاسقاً(263).
الثاني: الشرك الأصغر، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور، وهو الرياء والنفاق المشار إليه بقوله تعالى:
(جعلا له شركاء فيما آتاهما)(264).
فينبغي أن تخلو الرقية والتميمة من أي نوع من أنواع الشرك(265). كما روى عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم. لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك"(266).
وبناء على ذلك، لا يجوز التداوي بكل رقية أو تعزيم أو قسم فيه شرك بالله، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر لا يجوز التداوي به(267). ولا تجوز الاستعانة بالودع والخرز وغير ذلك لكشف الضر وعلاج المرضى، لقوله تعالى:
263- انظر تقسيم الشرك في: المفردات للراغب الأصفهاني (259) وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/313) والكليات لأبي البقاء (3/70).
264- سورة الأعراف: (190).
265-أخرجه مالك في الموطأ (2/272 التمهيد) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ح(2200) وأبو داود في سننه: كتاب الطب باب ما جاء في الرقى ح(3886) والحاكم في مستدركه (4/212) وقال وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والطبراني في الكبير (18/49) والبيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب إباحة الرقية ح(9/349)
.266-انظر الاستذكار لابن عبد البر (26/34) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/458) والآداب الشرعية (2/457)
.267- انظر شرح العقيدة الطحاوية (570) وكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ضمن مجموعة التوحيد (236).
(قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره)(268).
وروى الإمام أحمد -بسنده- عن عمران بن الحصين رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟، قال: من الواهنة. فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدً"(269).
ولا يجوز التداوي برقى تتضمن الاستغاثة بالموتى الذين انقطع عملهم ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، كما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"(270). ثالثاً: أن لا تتضمن الرقية سحراً.
السحر في اللغة: من سحر يسحر سحراً، بمعنى صرف الشيء عن وجهه. ويطلق على أربعة أمور وهى: الأول: ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن ويقال له الرئة. والثاني: الخداع والشبهة، أو إخراج الباطل في صورة الحق. والثالث: الوقت: وهو السَّحر أو الصبح. والرابع: كل ما لطف مأخذه ودق، فيقال في الشيء الشديد الخفاء أخفى من السحر(271).
والسحر في الاصطلاح يطلق على ثلاثة معان وهي:
268- سورة الزمر: (38)
. 269-أخرجه ابن ماجة في سنن: كتاب الطب: باب تعليق التمائم ح(3531) واحمد في مسنده (4/445) والهيثمي في المجمع (5م1039)، وقال: رواه احمد والطبراني وفيه مبارك بن فضالة وهو ثقة وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. وحسن البوصيري في الزوائد إسناده- ورد الألباني تحسينه وحكم بضعفه. انظر ضعيف سنن ابن ماجة للألباني ح(772) والضعيفة للألباني (1029).
270-أخرجه الترمذي في سننه: كتاب صفة القيامة: باب (59) ح(2524) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد في مسنده (1/293) والطبراني في الكبير (11/123) ح(11243) وابن السني في عمل اليوم والليلة ح(425) وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(2043) والسنة لابن أبي عاصم ح(316)
. 271- انظر مجمع مقاييس اللغة لابن فارس (3/138) والمصباح المنير للفيومي (1/364).
الأول: الخداع، وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يفعله بخفة يد، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع. وعلى ذلك قوله تعالى:
(سحروا أعين الناس واسترهبوهم)(272).
وقوله تعالى:
(يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى)(273).
والثاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه. قال تعالى:
(هل أنبئكم على من تـنزل الشياطين، تـنزل على كل آفاك أثيم)(274).
وقال تعالى:
(ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)(275).
والثالث: ما يذهب إليه "الذين لا يفصحون ولا يبلون" وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع، فيجعل الإنسان حماراً. ولا حقيقة لذلك عند المحصلين(276).
فالذي يعنينا في بحثنا هو النوع الثاني، وهو الذي يعتمد الساحر في رقاه على الجن والشياطين. وقد اتفق العلماء على منع التداوي بالرقى التي تتضمن السحر كالعقد والعزائم والطلسمات التي تشتمل على أسماء معينه، يزعم السحرة أنها ملائكة وكلهم سليمان بقبائل الجان، فإذا أقسم على صاحب الاسم ألزم الجن بما يريد.
وبعضهم يقسم على أسماء خاصة يزعمون أن لها تعلقاً بالكواكب تجعل في أجسام من المعادن أو غيرها، ويزعمون أنها تحدث آثاراً خاصة(277).
272- سورة الأعراف: (116).
273- سورة طه: (66
).274-سورة الشعراء: (221-222).
275- سورة البقرة: (102)
. 276- انظر المفردات للراغب (226) وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/198).
277- انظر حاشية ابن عابدين (6/363) وأسهل المدارك (3/366) والفروق للقرافي (4/147) والمجموع للنووي (9/56) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/455).
ومما يؤيد منع هذه الرقى، وما يقوم به السحرة من أعمال السحر قوله تعالى: (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)(278). وقولـه صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات. قيل يا رسول وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحـر، وقتل النفـس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليـتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمــنات"(279).
وقال ابن حجر في الحكمة من منع تلك الرقى "يدعي تسخير الجن له ، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم"(280).
ولا يصل الساحر إلى مرحلة الاستعانة بالشياطين إلا بعد أن يتنازل عن عقيدته ودينه، وأن يتفانى في طاعة الشياطين، فيعصى الله تعالى ويعبد ما سواه. فقد كان يعيش في أوائل هذا القرن ساحر بالوجه القبلي من مصر، وكان يطلب من أعيان الناس أن يلقوا خواتمهم في البحر، فإذا فعلوا أعادها إليهم، وكان يأتي بعجائب أكثر من ذلك. فلما مات أراد ابنه أن يزاول صنعته، فنهته أمه عن ذلك ، فلما سألها عن السبب، فتحت "دولاباً وأخرجت منه صنماً وقالت له: إن أباك كان يسجد لهذا الصنم لكي تساعده الشياطين على إظهار العجائب؛ فلا تكفر كما كفر أبوك(281).
وقد لاحق المحتسبون السحرة في كل مكان في المجتمع الإسلامي ومنعوهم من كتابة الرقى السحرية: كالعقد والعزائم، وأوقعوا بهم أشد العقوبات. قال ابنالأخوة
278- سورة طه: (69).
279- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوصايا: باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)-النساء 10-ح(2766) ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب بيان الكبائر وأكبرها ح(145) وأبو داود في سننه: كتاب الوصايا: باب اجتناب آكل مال اليتيم ح(3673) وانظر تحفة الأشراف ح(12915)
. 280- انظر فتح الباري لابن حجر (10/196)ش ح(5735).281- انظر هادي الأرواح لمصطفى محمد الطير (90).
"ويلزمهم بالقسامة أنهم لا يكتبون لأحد من الناس شيئاً من الروحانيات مثل: محبة، وتهييج، ونزيف، ورمد، وعقد لسان، وغير ذلك؛ فإن السحر حرام فعله، ومتى وجد أحداً يفعل ذلك عزره ليرتدع به غيره(282).
رابعاً: أن تكون الرقية بلغة مفهومة المعنى.
اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الـرقية أن تكون بلغة مفهومة المعنى(283). فيقرأ على العربي بلغة عربية. ولذا لا تصح الرقية بلغة أعجمية أو عبرية أو غير ذلك من اللغات. كما لا تصح الرقية بالدعوات المجهولة التي لا تعرف لها حقيقة ولا أصل، وإنما يزعم أهلها أنها من الدعوات المستجابة.
ومن ذلك: لمخيثا وشمخيثا وباغليهوش، كشهشطليوس، قطيهوج وطحير طمحيليال، برهيم، يالوش، هميالوش، طياروش، طلوش، طلش، عجريش، وهليش، مراهيش(284).
ويدل على منع التداوي بتلك الرقى قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان يرقي قبل الإسلام: "اعرضوا على رقاكم؛ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك"(285).
قال ابن حجر: "دل الحديث أنه ما كان من الرقى يؤدى إلى الشرك يمنع، وما لم يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك، فتمنع احتياطاً"(286).
282- انظر معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة (276)
. 283- انظر حاشية ابن عابدين (6/363) ونصاب الاحتساب للسنامي (250) والقوانين لابن جزي (486) والجامع لابن رشد (309) والشرح الصغير للدردير (4/769) والمعيار المعرب (11/87) وفتاوى العزبن عبد السلام (341) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/455-459).
284- انظر الإبداع في مضار الابتداع لعلى محفوظ (425)
. 285- أخرجه مالك في الموطأ (2/272 التمهيد). ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك ح(2200). وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في الرقى ح(3886). والطبراني في الكبير (18/49). والبيهقي في السنن: كتاب الضحايا: باب اباحة الرقية (9/349)
.286-انظر فتح الباري لابن حجر (10/195) ش ح(5735).
وقال ابن عابدين: "إنما تكره العوذة إذا كانت بغير لسان العرب ولا يدرى ما هو ولعله يدخله سحر أو كفر أو غير ذلك"(287).
وقال ابن تيمية: "نهي علماء المسلمين عن الرقي التي لا يفقه معناها لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك"(288).
وسبب منع الرقى إذا كانت باللغة الأعجمية، أو بما لا يدرى معناه أنها مظنة الشرك بالله تعالى والسحر؛ فتمنع تلك الرقى وإن لم يعرف الراقي أنها شرك أو سحر، ولا يجوز للمريض استعمالها والتداوي بها.
خامساً: أن تكتب الرقية أو التميمة بطاهر.
إذا كانت الرقية مكتوبة في ورقة، فلابد أن تكتب بمادة طاهرة كالحبر، والزعفران، وبعض الأصباغ. فلا يجوز أن يكتبها بما هو نجس كالدم، والبول، والغائط؛ لأن كلام الله تعالى وأسماءه وصفاته ينبغي أن تـنزه عن ذلك.
قال ابن تيمية: "لا يجوز كتابتها بدم كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله"(289).
المطلب الثاني: الضوابط الشرعية للراقي.
لما كانت الرقى والتمائم (الطب الروحاني) على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء للمرضى بإذن الله تعالى، فلما عز هذا النوع، لجأ الناس إلى الطب الجسماني. فما هي الضوابط الشرعية التي ينبغي مراعاتها في الراقي؟ أولاً: أن يكون الراقي مسلماً.
يشترط فيمن يعالج المرضى بالرقى والتمائم أن يكون مسلماً فلا يجوز لغير المسلم أن يعالج بها عند الإمام مالك بن أنس في رواية(290).
287-انظر حاشية ابن عابدين (6/363)
.288-انظر إيضاح الدلالة لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل المنيريه (2/103).
289- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (1/457)
.290- انظر المنتقى للباجي (7/258) وأسهل المدارك للكشناوي (3/367).
لأن غير المسلم سواء أكان يهودياً أم نصرانياً لا يعلم بحقيقة الرقى الإسلامية التي توافق كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وإذا مارس هذا العمل سيرقي بكتابه من التوراة، أو الإنجيل، أو بالسحر. فإذا رقى بكتابه فلا يجوز، لأن ذلك
الكتاب دخله التحريف؛ بدليل قوله تعالى:
(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا)(291).
وقال تعالى:
(فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به)(292).
وقد يقع التبديل لكتب أهل الكتاب بغير قصد بسبب ترجمتهم لكتبهم من لغة إلى لغة كما هو معلوم من حالهم بالضرورة. ومن المعلوم أن إبدال كلام الله بغير اللفظ الذي أنزل به ممنوع؛ لما يؤدى له من تغيير المعاني الكثيرة، وانتهاك حرمته وعظمته، وحينئذ لم تبق فائدة في رقاهم ألبتة(293). وإذا رقى غير المسلم بالسحر فلا يجوز، كما بينت عند الضوابط الشرعية للرقية.
وقد خالف في ذلك الإمام الشافعي فأجاز لغير المسلم أن يرقى المسلم(294). وهو رواية ثانية للإمام مالك رواها عنه ابن وهب(295). كما روى الإمام مالك عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة، وهى تشتكي ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: "ارقيها بكتاب الله"(296).
291- سورة النساء: (46)
.292- سورة المائدة: (13).
293- انظر زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي (4/83)
. 294- انظر المجموع للنووي (9/56) وفتح الباري لابن حجر (10/197) ش ح(5735) والإفادة لما جاء في المرض والعيادة لابن حجر الهيتمي (77).
295- انظر الجامع لابن رشد (309) والمنتقى للباجي (7/258)
.296- انظر فتح الباري لابن حجر (10/196-197) ش ح(5735).
والذي أميل إليه ما ذهب إليه الإمام مالك وهو اشــتراط الإسلام في الراقي، فلا يجوز للمسلم أن يقصد غير المسلم من أجل الرقية بعد أن استقر الطب الروحاني عند المسلمين وتحددت معالمه في القرآن الكريم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله. حتى قال أبو سعيد الخـدري رضـي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلك يتعوَّذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلمّا نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما"(297). وأمّا ما روي عن أبي بكر فهو محمول على أنه كان في بداية الإسلام، وقبل تحديد معالم الطب الروحاني الإسلامي. أمّا بعد استقراره فلا يجوز للمسلم أن يسترقي بما عند غير المسلمين من رقى.
ثانياً: أن يكون الراقي عدلاً في دينه.
نبه كثير من العلماء إلى ضرورة تحقق العدالة والصلاح في الراقي الذي يرقى بذكر الله تعالى وأسمائه وصفاته، لأن الشفاء الذي يأذن به الله تعالي يحصل على لسان الراقي الصالح. دون الطالح. قال ابن التبين: "الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله"(298). وقال الخطابي: "الرقية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يكون بقوارع القرآن وبما فيه ذكر الله على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس وهو الطب الروحاني. وعليه كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله. فلما عزّ وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة مال الناس إلى الطب الجسماني، حيث لم يجدوا للطب الروحاني نجوعاً في الأسقام، لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة المقدمة من البركات"(299). ولأن لنفس الراقي أثراً في نفس المرقي، فالنفس الصالحة الطيبة إذا التقت بنفس المريض (المرقي) حصل بينهما فعل وانفعال، كالذي يحصل بين الداء والدواء؛ فإذا أصاب الدواء الداء برئ.. بإذن
297- أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين ح(2065) وقال: هذا حديث حسن غريب. والنسائي في سننه: كتاب الاستعاذة: باب الاستعاذة من عين الجان ح(5509). وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب من استرقى من العين ح(3511). وانظر تحفة الأشراف ح(4327). وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(1681).
298- انظر فتح الباري لابن حجر (10/198) ش ح(5736)
.299- انظر عمدة القاري للعيني (17/403).
الله تعالى. قال ابن القيم: "ونفس الراقي تفعل في نفس المرقي فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء، فتقوى نفس المرقى وقوته بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن الله. ومدار تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين؛ يقع بين الداء والدواء الروحانيين(300). ومما يؤيد ذلك تبرك الصحابة رضوان الله عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم بيده الشريفة، فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة(301). ووضع يده الشريفة صلى الله عليه وسلم على يد حنظلة بن حذيم وبرَّك عليه فكان حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه، أو الشاة الوارم ضرعها، فيقول: "بسم الله" على موضع كف رسول الله، فيمسحه فيذهب الورم(302).
وحقيقة عدالة الراقي: هي صفة في الإنسان تحمله على أداء ما وجب عليه من فرائض وواجبات: كالقيام بالصلاة، والصيام، والزكاة، والتحلي بالأخلاق الفاضلة من صدق وأمانة وتقوى ومروءة، كما تحمله على اجتناب الكبائر من شرك بالله، وسحر، وكذب، وبدعة مكفرة، وإصرار على صغائر الذنوب، وتجنب ما فيه خسة من التصرفات(303).
فإذا ترك شيئاً مما وجب عليه، أو أتى شيئاً مما يجب عليه اجتنابه؛ فليس بعدل ولا يجوز للمسلم أن يسترقيه؛ لأنه غير أهل أن يجري الله على يديه الشفاء بالرقى والتمائم. ولذا لا يجوز استرقاء العصاة والسحرة والكهنة والعرافين أو منيستعمل وسائلهم.
كما نبه إلى ذلك الإمام مالك وبينه الباجي: "كأن يرقى وفى يده حديدة، أو ملح، أو عقد في خيط؛ ووجه ذلك عند الباجي- أنه لم يعرف وجه منفعته فإنه يكره استعماله لما يضاف إليه"(304).
ومما يدل على عدم جواز استرقاء الكهنة والعرافين ما روى البخاري -بسنده- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سأل ناس رسول صلى الله عليه وسلم عن الكهان؛ فقال: ليس بشيء. فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة"(305). فهو يدل على النهي عن إتيان الكهان.
قال القرطبي: "يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئاً من ذلك من الأسواق، ويُنكِّر عليهم أشد النكير وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينسب إلى العلم فإنهم غـير راسخين فـي العـلم، بل من الجهـال بما في إتيانهم من المحذور" (306). وروى مســلم -بســنده- عن صفية عن بعض أزواج النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فســأله عن شيء، لم تقبل له صــلاة أربعيـن ليلة"(307).
304-انظر المنتقى للباجي (7/258)
.305-أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب الكهانة ح(5762) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ح(2228) وانظر تحفة الأشراف ح(17349)
.306-انظر فتح الباري لابن حجر (10/221) ش ح(5762).
307-أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ح(2230) وأحمد في مسنده (4/68) و (5/380) والبيهقي في الكبرى: كتاب النكاح: باب إتيان النساء في أدبارهن (7/198).
وفى رواية لأبى داود قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد بريء مما أنزل الله على محمد"(308).
حل السحر بالسحر.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال وهو: هل يجوز لمن سُحر أن يأتي السحرة والكهان لحل السحر عنه؟
اتفق الفقهاء على أن السحر يحل بالرقى والتمائم الشرعية، واختلفوا في جواز حل السحر بالسحر.
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية في قول، والحنابلة في قول وابن القيم من الحنابلة إلى عدم جواز إتيان الكُهّان والعرافين لحل السحر بالسحر. وهو منقول عن ابن مسعود، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين. واستدلوا لذلك بعموم الأدلة التي تنهى عن إتيان الكهان والعرافين. فقد روي عن الحسن البصري أنه قال: "لا يحل السحر إلا ساحر". وروى عن محمد بن سيرين، أنه سئل عن امرأة يعذبها السحرة فقال رجل: أخط خطا عليها وأغرز السكين عند مجمع الخط وأقرأ القرآن. فقال محمد بن سيرين ما أعلم بقراءة القرآن بأساً، وما أدري ما الخط والسكين"(309).
308- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في الكاهن ح(3904) والترمذي في سننه: كتاب الطهارة: باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض ح(135). وقال لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأشرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وابن ماجة في سننه: كتاب الطهارة: باب النهي عن إتيان الحائض ح(639) وانظر تحفة الأشراف (13536) وأخرجه أحمد في مسنده (2/408-476) والبيهقي في الكبرى (7/198) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/44) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح(116)
309-انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/49) والتاج والإكليل لمختصر خليل للمواق مع مواهب الجليل (6/256) والمغنى لابن قدامة (8/154) وفتح الباري لابن حجر (10/233) ش ح(5765) وعمدة القاري للعيني (17/224).
القول الثاني: ذهب المالكية في قول، والحنابلة في قول إلى جواز حل السحر بالسحر للضرورة، وهو مروي عن سعيد بن المسيب.
وتوقف فيه الإمام أحمد. قال ابن قدامة: "توقف أحمد في الحل، وهو إلى الجواز أميل(310). وروى البخاري عن قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس إنما يريدون به الإصلاح فإن ما ينفع لم ينه عنه"(311).
والراجح عدم جواز حل السحر بالسحر، لأن حله بالرقى الشرعية ممكن. فلا يصار إلى الحرام مع وجود المشروع ولو للإصلاح والضرورة، لأن الضرورة تكون في حالة عدم وجود طريقة مشروعة.
ثالثاً: أن يعتقد الراقي أن الله هو الشافي.
اتفق العلماء على أنه ينبغي على الراقي أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بإذن الله تعالى وقدرته، لأن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء، وهو الذي يرفع البلاء ويدفعه(312)، وإلا وقع الراقي في شرك الأسباب الذي أشرنا إليه سابقاً، فمن قال: إن الأسباب بما فيها الرقى تؤثر بطبعها في المريض فتشفيه فقد أشرك بالله تعالى وكفر. ويدل على ذلك ما يلي:
310-انظر المراجع السابقة
.311-أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب الطب: باب هل يستخرج السحر- انظر فتح الباري لابن حجر (10/232) وقال الحافظ ابن حجر في التعليق (5/49) رواه الأثرم في السنن وساق إسناده ثم قال: ,إسناده صحيح.312-انظر حاشية ابن عابدين (6/364) والذخيرة للقرافي 013/311) والمجموع للنووي (9/56) وفتح الباري لابن حجر (10/195) ش ح(5735) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/455).
1- قوله تعالى:
(أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون)(313).
فالآية تخاطب المشركين الذين كانوا يعترفون أن الله عز وجل هو الخالق للأشياء كلها، لكنهم يتوجهون بالدعاء والعبادة إلى غير الله ليكشف عنهم الضر، ويدفع البلاء؛ مع أنه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً.
2- وروى الترمذي -بسنده- عن النبي صلى الله عليه وسلم: من تعلق شيئاً وكل إليه"(314). وفى رواية: "من علق تميمة فقد أشرك"(315). وفى رواية: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"(316).
فهي تدل على أن التمائم لا تؤثر بذاتها، ومن اعتمد عليها بذاتها فقد أشرك، ويوكل شفاؤه إلى تلك التمائم فلا يحصل الشفاء له.
313- سورة الزمر: (38)
.314-أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في كراهية التعليق ح(2079) وقال: وفي باب عن عقبة بن عامر: قال المبارك فوري في التحفة (6/201) وحديث عقبة بن عامر أخرجه أحمد وأبو يعلي والطبراني بمعناه. قال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات. وأخرجه أحمد في مسنده (4/310-311) والحاكم في مستدركه (4/216) وسكت عنه هو والذهبي. والبغوي في شرح السنة (12/160) وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(1691).
315-أخرجه أحمد في مسنده (4/156) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات (5/103) وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/219) وسكت عنه وكذلك الذهبي. قال الألباني: وهذا إسناد صحيح. رجاله ثقات رجال مسلم غير دخين وهو ابن عامر الحجري أبو ليلي المصري وثقة يعقوب بن سفيان وابن حبان وصحح له الحاكم (4/384) وقد أخرجه (4/219) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور- انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ح(492).
316-أخرجه أحمد في مسنده (4/154) والهيثمي في المجمع (5/103) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني ورجالهم ثقات. والحاكم في مستدركه (4/216) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والحديث حسن لغيره- راجع الترغيب للمنذري وهامشه (4/202-203) ح(5065) و(5066) بتحقيق محي الدين مستو وآخرين. وانظر تحفة الأحوذي (6/201) والضعيفة للألباني ح(1266).
3- وروى البخاري -بسنده- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس أَذهب الباس واشف، أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً"(317).
فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله عز وجل لم ينجح(318).
رابعاً: أن يكون الراقي خبيراً بطرق المعالجة بالرقية الشرعية.
ينبغي أن يستعان في كل شيء بأعلم أهله، أو بالمختصين فيه. وعلم الرقى الشرعية أو الطب النبوي أصبح علماً قائماً بذاته، وهو: "علم باحث عن الطب الذي ورد في الأحاديث النبوية الذي داوى به المرضى"(319). وقد أفرد بكتب خاصة في مجامع السنة النبوية، ففي صحيح البخاري كتاب الطب، وفى سنن الترمذي كـتاب الطب، وفى سنن أبى داود كتاب الطب .. إلخ. كما وأفرد بمؤلفات مستقلة مثل: الطب النبوي لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (430هـ)، الطب النبوي لجعفر بن محمد المستغفري (432 هـ)، والطب النبوي لمحمد بن أبى بكر ابن قيم الجوزية ( 751 هـ ). هذا بالإضافة إلى كتب الأذكار والدعوات التي أفردها المصنفون بكتب مستقلة. وقد اشتملت هذه الكتب وغيرها على وصفات لكل مرض، وطرق متعددة للمعالجة، وعوارض لبعض الأمراض وأسبابها، وغير ذلك.
317-أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب دعاء العائد للمريض ح(5675) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب استحباب رقية المريض ح(2191) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883) والترمذي في سننه: كتاب أحاديث شتى: باب في دعاء المريض ح(3576) وقال هذا حديث حسن وابن ماجة في سننه: كتاب الجنائز: باب ما جاء في ذكر مرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) ح(1619) وانظر تحفة الأشراف (17638) وأخرجه أحمد في مسنده (3/267) و(4/259)و(6/42) والنسائي في اليوم والليلة ح(1042) وابن السني في اليوم والليلة ح(543) قال النووي: الحديث فيه استحباب مسح المريض باليمين والدعاء له وقد جاءت فيه روايات كثيرة صحيحه جمعتها في كتاب الأذكار انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/180)
.318-انظر عمدة القاري للعيني (17/407).319-انظر أبجد العلوم لصديق حسن (2/360).
واستيعاب ما في هذه الكتب من معلومات يحتاج إلى همة عالية وذكاء، لأن العلم بالتعلم. ونبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن علم الرقى يحتاج إلى التعلم في حديث الشفاء بنت عبد الله حيث قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة"(320).
ولمّا كان الناس متفاوتين في استعدادتهم وأفهامهم ومداركهم واستيعابهم فلا بد أن يتفاوتوا في تحصيلهم العلمي لهذا العلم وإتقانهم له. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من الاستعانة في علاج الأمراض بالرقى الشرعية بأعلم الناس بها، وأحذقهم، وأتقاهم، وأورعهم، وأكثرهم خشية من الله تعالى.
المطلب الثالث: الضوابط الشرعية للمرقي.
المرقي هو محل الرقية. وهو يشمل الإنس، والجن، والحيوان. وسوف أقتصر في هذا المطلب على الإنسان، لأنه محل التكريم من الله تعالى.
أولاً: أن يعتقد المرقى أن الشافي هو الله.
ينبغي على المرقي أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الشافي هو الله سبحانه وتعالى، كما بينت في اعتقاد الراقي؛ لأن ذلك الاعتقاد أنفع علاج له. فإن وجد الراقي إيمان المرقى واعتقاده في ذلك ضعيفاً قواه بإعطائه درساً في العقيدة، يبين فيه أن كمال التلقي للعلاج يحصل بالإيمان بالله تعالى، والإذعان له، والاعتقاد بأنه الشافي ولا شفاء بعده، وأن هذه الرقى لا تؤثر بذاتها، وإنما بقدر الله. ولذا فلا ينتفع بها من أنكرها، أو سخر منها، أو شك فيها أو فعلها مجرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه(321).
320-أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في الرقى ح(3887). وأحمد في مسنده (6/372). والحاكم في مستدركه (4/14) عن أبي حثمة القرشي أن رجلاً من الأنصار خرجت به نملة فدل أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة فجاءها فسألها أن ترقيه فقالت: والله ما رقيت منذ أسلمت فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء فقال: "اعرضي علي فعرضتها عليه فقال: أرقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتابة"- قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. والبيهقي في السنن: كتاب الضحايا: باب اباحة الرقية (9/349). انظر صحيح سنن أبي داود للألباني ح(3291). النملة: قروح تخرج في الجنبين، ويقال أيضاً أنها تخرج في غير الجنب ترقى فتذهب بإذن الله قال الخطابي: وفي الحديث دليل على أن تعليم الكتابة للنساء غير مكروه- معالم السنن (5/364)
. 321-انظر الطب النبوي لابن القيم (171) وفتح الباري لابن حجر (10/205) ش ح(5740) والآداب الشرعية لابن مفلح (3/98).
ثانياً: أن يتعاطى الرقى للعلاج من الأمراض عند بعض الفقهاء.
الرقى والتمائم يتعاطاها المريض لعلاج الأمراض، فلا يجوز أن يتعاطاها الصحيح للوقاية من الأمراض والاحتراز منها عند الإمام مالك في رواية، وأحمد في رواية الخلال(322)، لقول عائشة رضي الله عنها: "التمائم ما علق قبل نزول البلاء، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة"(323). أي أن التميمة المنهي عنها ما علقت قبل نزول البلاء، وأما ما علق بعد نزول البلاء فليس من التمائم المنهي عنها.
وخالف في ذلك الشافعية، ومالك في رواية أشهب وأحمد في رواية، حيث ذهبوا إلى عدم اشتراط هذا الشرط، فأجازوا الرقية للصحيح والمريض لعموم أدلة جواز الرقية .؟
والراجح ما ذهب إليه الشافعية ومن معهم من عدم اشتراط هذا الشرط، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه كان يقرأ بالمعوذات قبل النوم خوفاً من الشيطان والجن.
ثالثاً: صيانة الرقى عن الإهانة.
ينبغي على المرقى أن يحافظ على الرقى التي يستعملها ويصونها عن الإهانة لأنها تتضمن آيات من القرآن الكريم وأسماء الله وصفاته. فإن كانت تمائم تعلق على جسده فإنها تلف لفاً محكماً وتحفظ في وعاء من شمع، أو كيس من جلد، بحيث لا تتسرب إليها النجاسة والقاذورات. ولا يدخل بها بيت الخلاء، ولا يقعد عليها، وينـزعها عند الجماع(324). وإن كانت سائلاً مقروءاً عليه أعد للشرب سمى الله على كل نفس وعظم النية فيه، فإن الله يؤتيه على قدر نيته. وإن كان معداً للاغتسال فلا يصبه على كناسة، أو في حفرة نجاسة، أو على موضع يوطأ. ولكن يصبه ناحية من الأرض في بقعة لا يطأها الناس، ويحفر حفرة في موضع طاهر ويصبه فيها(325).
322-انظر الجامع لابن رشد (310) والقوانين لابن جزي (486) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/460)
.323- انظر المراجع السابقة والإفادة لابن حجر الهيثمي (77) وفتح الباري لابن حجر (10/196) ش ح(5735)
.324-انظر حاشية ابن عابدين (6/364) والفتاوي الهندية (5/356) واسهل المدارك (3/367) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/320) ومغنى المحتاج (1/37) وحاشية الجمل (1/76) والآداب الشرعية لابن مفلح (1/457).
325-انظر نوادر الأصول للحكيم الترمذي (335).
رابعاً: أن يبتعد المرقى عن المعاصي في فترة العلاج وبعدها.
ينبغي على المرقي أن يبتعد عن المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة- في جميع الأوقات وبخاصة في أثناء العلاج، فلا يستمع للغناء، ولا يتناول الدخان، ولا يهمل في صلاته. وإذا كانت امرأ