المطلب الثاني: الأحكام المتعلقة بأنواع الرقى والتمائم. قسـم العلماء الرقى والتمائم- باعتبار طريقة استعمالها- إلى ثلاثة أقسام وهى: القراءة على المريض، تعليـق التميمـة، تعاطى غسالة الرقية والتميمة. وسوف أبين حكم كل قسم منها، ومايتعلق به من أحكام.
202- سورة الأنعام: (148).203- سورة النحل: (35).
204- انظر الطب النبوي لابن القيم (16).
205- انظر الطب النبوي لابن القيم.
أولاً: القراءة على المريض والدعاء له.
اتفق الفقهاء على جواز أن يقرأ المريض على نفسه، وأن يستعين بغيره ليقرأ عليه بالرقى الشرعية. كما اتفقوا على أنه يجوز للمريض أو لمن يقرأ عليه أن يضع يده على مكان الألم أثناء القراءة(206). ويؤيد ذلك ما ذكرت من أحاديث المشروعية، ويضاف إلى ذلك ما روى البخاري -بسنده- عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه ويقول: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً"(207). وقــال صلى الله عليه وسلم لعثمان ابن أبى العاص الثقفي لما شكا إليه وجعاً في جسده: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثاً، وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"(208).
206- انظر عمده القاري للعيني (17/399) والاستذكار لابن عبد البر (27/29) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/258) وفتح الباري لابن حجر (10/197) ش ح(5735).
207- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب دعاء العائد للمريض ح(5675)؛ ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب الطب والمرض والرقى ح(2186)؛ والترمذي في سننه كتاب الجنائز: باب ما جاء في التعوذ للمريض ح(974)؛ وابن ماجة في سننه: كتاب الطب، باب ما عوذ به النبي، وعوذ به ح(3523)؛ انظر تحفة الأشراف ح(4363)، واخرجه أحمد في مسنده 3/28/56؛ والنسائي في اليوم والليلة ح(1005)، قال النووي: هذا تصريح بالرقى بأسماء الله تعالى وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره، وقوله من شر كل نفس قيل، يحتمل أن المراد بالنفس؛ نفس الآدمي، وقيل يحتمل أن المراد بها العين، فإن النفس تطلق على العين، ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 14/170.
208-أخرجه مالك في موطأه: كتاب العين: باب التعوذ والرقية من المرض (2/942) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء ح(2202) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب كيف الرقى ح(3891) والترمذي في سننه: كتاب الطب: باب (29) ح(2087) وقال هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب ما عوذ به النبي (صلى الله عليه وسلم) وما عوذ به ح(3522) وانظر تحفة الأشراف ح(9774) وأخرجه أحمد في مسنده (6/390) والنسائي في اليوم والليلة ح(1001) قال النووي: يستحب وضع يده على موضع الألم ويأتي بالدعاء المذكور- انظر شرح للنووي على صحيح مسلم (14/189) شرح (2202).
* حكم النفث والمسح
النفث لغة: من نفث من فمه نفثاً رمى به أو قذف به. والنفث قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل(209). فنفث الراقي هو النفخ في اليدين بدون ريق، أو بريق قليل، ومسح جسم المريض. فما حكم النفث في الرقية؟ اختلف الفقهاء في نفث الراقي ومسحه على قولين:
القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية، وهو قول عطاء ومحمد بن سيرين إلى جواز النفث والمسح(210). واستدلوا لذلك بما يلي:
1- ما روى البخاري -بسنده- عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركته"(211). وفى رواية: "كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما رأسه فالحديث صريح في جواز النفث والمسح عند الرقية"(212).
209- انظر المصباح المنير للفيومي (2/845) والمفردات للراغب (500)
. 210- انظر المراجع الفقهية السابقة
.211- أخرجه مالك في الموطأ: كتاب العين: باب التعوذ والرقية في المرض (2/193) والبخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب في المرأة ترقى الرجل ح(5751) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب رقية المريض بالمعوذات والنفث ح(2192) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب كيف الرقى ح(3602) وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب النفث في الرقية ح(3529) وانظر تحفة الأشراف ح(16589) وأحمد في مسنده (6/104) والنسائي في اليوم والليلة ح(1009) قال النووي: وسئلت عائشة عن نفث النبي (صلى الله عليه وسلم) في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه. قال: ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ولا يقصد ذلك- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/182).
212- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب النفث في الرقية ح(5748) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب رقية المريض بالمعوذات والنفث ح(2192) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب كيف الرقى ح(3902) وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب النفث في الرقية ح(3529) وانظر تحفة الأشراف ح(16589) قال النووي: وسئلت عائشة عن نفث النبي (صلى الله عليه وسلم) في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/182) قال ابن حجر: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر- انظر فتح الباري (10/197) ش ح(5735).
2- وروى البخاري -بسنده- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتيـن جميعاً،
3- ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده". قالت عائشة: " فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به"(213).
4- وفائدة النفث والمسح كما قال القاضي عياض: التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذِّكرْ، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر. وقد يكون على سبيل التفاؤل بزوال الألم من المريض كانفصال ذلك عن الراقي(214).
القول الثاني: ذهب أحمد في رواية إلى كراهة النفث والمسح في الرقية، وهو قول إبراهيم النخعي، والضحاك، وعكرمة. والحكم، وحماد. فقال عكرمة: "لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد"(215). واستدلوا لذلك بقوله تعالى.
(قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن حاسدٍ إذا حسد)(216).
فهي تدل على كراهة النفث في الرقية.
213- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الطب: باب النفث في الرقية ح(5748) ومسلم في صحيحه: كتاب السلام: باب رقية المريض بالمعوذات والنفث ح(2192) وأبو داود في سننه: كتاب الطب: باب كيف الرقى ح(3902) وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب النفث في الرقية ح(3529) وانظر تحفة الأشراف ح(16589) قال النووي وسئلت عائشة عن نفث النبي (صلى الله عليه وسلم) في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (14/182) قال ابن حجر: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسة الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر- انظر فتح الباري (10/197) ش ح(5735).
214- انظر فتح الباري لابن حجر (10/197) ش ح(5735).
215- انظر الاستذكار لابن عبد البر (26/34) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/458) والآداب الشرعية (2/457).
216- سورة الفلق.
والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز النفث والمسح عند الرقية للأحاديث الصريحة في ذلك، وأما الاستدلال بسورة الفلق فلا يصح؛ لأن المكروه ما كان من نفث السحرة وأهل الباطل، ولا يلزم منه ذم النفث مطلقاً ولاسيما بعد ثبوته في الأحاديث الصحيحة(217). ولأن فيه استعانة بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء- كما قال ابن القيم- فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهواء والنفس كانت أتم تأثيراً، وأقوى فعلاً ونفوذاً، ويحصل بالازدواج بينهما كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية. وفى النفث سر آخر، فإنه تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة، ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان … وذلك لأن النفس تتكيف بكيفية الغضب والمحاربة، وترسل أنفاسها سهاماً لها، وتمدها بالنفث والتفل الذي معه شيء من ريق مصاحب لكيفية مؤثرة(218).
ثانياً : تعليق التميمة:
اتفق الفقهاء على عدم جواز تعليق التميمة بالمعنى الجاهلي(219). وهى "الخرزة التي تعلق على الأولاد يتقون بها العين في زعمهم(220). "وعلى هذا المعنى تحمل أحاديث النهي عن تعليق التمائم.
واختلفوا في جواز تعليق التميمة بالمعنى الآخر وهو: "ورقة يكتب فيها شيء من القرآن أو غيره، وتعلق على الرأس مثلاً للتبرك"(221).
217-انظر فتح الباري لابن حجر (10/209) باب (39)
.218- انظر الطب النبوي لابن القيم (179).
219- انظر المراجع الفقهية التي سترد في القول الأول.
220- انظر حاشية ابن عابدين (6/363).
221- انظر حاشية الجمل (1/76).
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول إلى جواز تعليق التميمة في عنق المريض أو على رأسه. وهو ما قال به بعض السلف مثل عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والضحاك، وأبى جعفر: محمد بن على، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب(222).
فقد سئل سعيد بن المسيب عن التعويذ يعلق قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس"(223).
وعن الضحَّاك أنه لم يكن يرى بأساً "أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع، وعند الغائط"(224). ورخَّص أبو جعفر محمد بن على في التعويذ يعلق على الصبيان(225). وكان ابن سيرين لا يرى بأساً بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان(226). وقال الإمام مالك: " لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك"(227).
وروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه أجاز ذلك وكان يكتب بخطه، فقد قال المروذى: "شكت امرأة إلى أبى عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها، فكتب لها رقعة بخطه: بسم الله وفاتحة الكـتاب والمعوذتين وآية الكرسي". وقال: وكتب أبو عبد الله من الحمى؛ بسم الله الرحمن الرحيم، بسـم الله وبالله ومحمد رسول الله (يا نار كوني برداً
222- انظر حاشية ابن عابدين (3/364)-(6/363) والفتاوى الهندية (5/356) والجامع لابن رشد (309) والقوانين لابن جزي (486) والشرح الصغير (4/769) والمعيار المعرب (11/29) واسهل المدارك (7/368) والفتاوى الحديثية لابن حجر (90) والمجموع للنووي (9/56) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/455-459) والدليل والبرهان على صرع الجن للإنسان لابن تيمية (62).
223- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319)
.224- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
225- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319)
.226- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
227- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين)(228).
"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين".
وقال الميموني: "سألت أبا عبد الله عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس".
وقال أبو داود: "رأيت على ابن لأبي عبد الله وهو صغير تميمة في رقبته في أديم".
قال الخلال: "قد كتب هو من الحمى بعد نزول البلاء، والكراهة من تعليق ذلك قبل وقوع البلاء. وهو الذي عليه العمل"(229). واستدل من أجاز ذلك بما يلي:
1- ما روى البيهقي-بسنده- عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "وليست بتميمة ما علق بعد أن يقع البلاء". وفى رواية: التمائم ما علق قبل نزول البلاء، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة"(230).
فهو يدل على جواز تعليق التميمة بعد نزول البلاء، وهو موقوف على عائشة رضي الله عنها، لكن له حكم المرفوع.
1- ما روى مسلم في صحيحه عن جابر - في الرقية من العقرب- "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"(231).
فإذا ثبت النفع بالتعليق فلا بأس من فعله.
228- سورة الأنبياء: (69-70).
229- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/456) والدليل والبرهان على صرع الجن للإنسان (61)
. 230-أخرجه البيهقي في الكبرى (9/350) وقال صحيح والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي
.231-أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ح(2199) وأحمد في مسنده (3/382) والبيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب إباحة الرقية (9/348) قال الألباني: وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك ما كان معناه معروفاً مشروعاً، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير جائز-انظر الصحيح ح(472).
2- ولأن القرآن الكريم مبارك : لقوله تعالى:
(كتاب أنزلناه مبارك)(232).
فتعليقه على الإنسان يحقق البركة له.
القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن التعليق للتميمة مكروه كراهة شديدة تصل إلى التحريم ، فقد سُئل الإمام أحمد عن تعليق التميمة فقال: "التعليق كله مكروه كان ابن مسعود يتشدد فيه". وهو ما قال به ابن عباس وحذيفة وعقبة بن عامر(233). واسدتلوا لذلك بما يلي:
1- ما روى أبو داود -بسنده- عن عبد الله بن مسعود قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الرقى والتمائم والتولة شرك(234).
قالت زوجة عبد الله بن مسعود لزوجها؛ لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً"(235).
232- سورة الأنعام: (155).233- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/459).
234- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883). وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب تعليق التمائم ح(3530) وانظر تحفة الأشراف ح(9643) وأخرجه أحمد في مسنده (1/381). والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب التمائم (9/350). وانظر صحيح سنن أبو داود للألباني ح(3288).
235- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883). وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب تعليق التمائم ح(3530) وانظر تحفة الأشراف ح(9643) وأخرجه أحمد في مسنده (1/381). والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب التمائـم (9/350). وانظر صحيح سنن أبو داود للألباني ح(3288).
2- وروى أحمد -بسنده- عن عقبه بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من علق تميمة فقد أشرك"(236).
فهو يدل على أن من علَّق على نفسه أو على غيره تميمة فقد فعل أهل الشرك(237).
3- وروى الترمذي -بسنده- عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: "دخلت على عبد الله بن عكيم أبى معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئاً؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تعلق شيئاً وكل إليه"(238).
فهو يدل على عدم جواز تعليق التميمة، لأن الله تعالى لم يشفه بذلك، وإنما يوكل شفاءه إلى ذلك الشيء فلا يحصل الشفاء.
4- روى الإمام أحمد -بسنده- عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"(239).
236- أخرجه أحمد في مسنده (4/156) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقاب (5/103). وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/219) وسكت عنه وكذلك الذهبي. قال الألباني: وهذا إسناد صحيح. رجاله ثقاب رجال مسلم غير دخين وهو ابن عامر الحجري أبو ليلي المصري وثقة يعقوب بن سفيان وابن حبان وصحح له الحاكم (4/384) وقد أخرجه (4/219) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور- انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ح(492).
237- انظر فيض القدير للمناوي (6/180).
238-أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في كراهية التعليق ح(2079) وقال: وفي الباب عن عقبة بن عامر: قال المبارك فوري في التحفة (6/201) وحديث عقبة بن عامر أخرجه أحمد وأبـو يعلي والطبراني بمعناه. قال الهيثمي في المجمـع: رجاله ثقات. وأخـرجه أحمد في مسنده (4/310- 311) والحاكم في مستدركه (4/216) وسكت عنه هو والذهبي. والبغوي في شرح السنة (12/160) وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(1691)
.239-أخرجه أحمد في مسنده (4/154) والهيثمي في المجمع (5/103) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني ورجالهم ثقات. والحاكم في مستدركه (4/216) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والحديث حسن لغيره- راجع الترغيب للمنذري وهامشه (4/202-203) ح(5064) و(5065) و(5066) بتحقيق محي الدين مستو وآخرين. وانظر تحفة الأحوذي (6/201) والضعيفة للألباني ح(1266).
والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز تعليق ما فيه ذكر الله، فإنه إنما جُعل للتبرك والتعوذ، ومن وكل إلى ذكر الله وأسمائه أخذ الله بيده. وأما أحاديث النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تمائم الجاهلية التي يظن بها أنها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.
ثالثا : تعاطى ماء الرقية والسوائل المقروء عليها:
من الطرق المستعملة في العلاج بالرقى والتمائم أن يكتب في ورقة أو إناء نظيف سوراً من القرآن، أو آيات منه، أو الأذكار، أو أسماء الله تعالى؛ ثم يغسله بالماء، فيَغتسل بالماء أو يشربه ويمسح جسده بها. أو أن يقرأ آيات من القرآن على ماء أو زيت فيتعاطاه المريض. وأُطلق على ذلك "النشرة" فهل يجوز ذلك؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وأحمد في رواية إلى جواز ذلك(240). وبه قال بعض السلف فذُكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها آيتان من القرآن يغسل ويسقى.
وقال أيوب "رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن، ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع"(241). وعن محمد بن مروان عن أبى جعفر قال: "من وجد في قلبه سوءاً فليكتب "يس" في جام بزعفران ثم يشربه". وعن مجاهد قال: "لا بأس أن يكتب القرآن ثم يغسله ويسقي المريض"(242).
240- انظر حاشية ابن عابدين (6/364) وأسهل المدارك للكشناوي (3/367) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/318) والفتاوى الحديثية لابن حجر (90) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/456) والدليل والبرهان لابن تيمية (61).
341- انظر الطب النبوي لابن القيم (170-171)
. 342- انظر نوادر الأصول للحكيم الترمذي (333).
وقال الإمام عبد الله المروزي: "لا بأس بالتداوي بالنشرة، تكتب في ورق أو إناء نظيف سور من القرآن، أو بعض سور، أو آيات متفرقة من سورة، أو سور، مثل آيات الشفاء … ثم قال: وما زال الأشياخ من الأكابر رحمة الله عليهم يكتبون الآيات من القرآن والأدعية فيسقونها لمرضاهم ويجدون العافية"(243).
قال صالح بن أحمد بن حنبل ربما اعتللت فيأخذ أبى قدحاً فيه ماء، فيقرأ عليه ويقول: اشرب منه واغسل وجهك ويديك.
ونقل عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه يعوّذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه، ويصب على نفسه منه. قال عبد الله: ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها.
ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه. وقال يوسف بن موسى إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ.
وقال أحمد: "يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادها في جام أبيض، أو شيء نظيف: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين".
(كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار بلاغ)(244).
(كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)(245).
ثم تسقى منه وينضح ما بقى على صدرها(246).
واستدلوا لذلك بما يلي:
1- ما روى ابن السني -بسنده- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عسر على المرأة ولادها أخذ إناء لطيفاً (نظيفاً) يكتب فيه:
343- انظر المدخل لابن الحاج (4/121) وأسهل المدارك للكشناوي (3/367).
244- سورة الأحقاف: (35)
.245-سورة النازعات: (46)
. 246-انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/456-457).
(كأنهم يوم يرون ما يوعدون .. إلى آخر الآية)… و (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) و(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)… إلى آخر الآية. ثم يغسل ويسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفرجها"(247).
2- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء، ثم تأمر أن يصب على المريض(248).
3- ولأن القرآن الكريم مبارك ، والبركة تلحق كل شيء تلاقيه من ماء وغيره، فيكون الماء مباركاً ببركة القرآن الكريم، فيقع بذلك الماء الشفاء إن شاء الله تعالى.
القول الثاني: ذهب أحمد في رواية الخلال إلى عدم جواز التداوي بغسالة الرقية، وهو ما ذهب إليه الحسن البصري وإبراهيم النخعي(249). واستدلوا لذلك بما روى عن الحسن البصري قال: سئل أنس عن النشرة فقال: "ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: هي من عمل الشيطان"(250). والراجـح ما ذهب إليه
247- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيئاً من كتاب الله بالمداد المباح ويغسل ويسقى كما نص على ذلك أحمد وغيره. وروى الإمام أحمد علاج عسر الولادة عن ابن عباس (ر) وقال: يكتب في إناء نظيف فيسقى. قال عبد الله بن الإمام أحمد: رأيت أبي يكتب للمرأة في جام أو شيء نظيف- انظر فتاوى أبي تيمية (19/64) وزاد المعاد لابن القيم (4/358) والأثر موقوف علي ابن عباس(ر) ولم يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)
. 248 - انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/318).
249- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/318) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/456)
. 250- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في النشرة ح(3868) وأحمد في مسنده (3/294) والهيثمي في مجمعه (5/102) وقال رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. وأخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه (7/387) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح(3277).
أصحاب القول الأول من جواز تعاطي ماء الرقية والسوائل المقروء عليها، لأنه استعمال لسائل اختلط بشيء له فضل، وهذا له أصل في السنة؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بفضلة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على الرقية ويمسح بها المريض. أما الحديثان اللذان استدل بهما المجيزون فقد بحثت عنهما فلم أجد من ذكرهما في كتب السنة المعتبرة.
وأما حديث "النشرة" الذي استدل به المانعون فيحمل على ما إذا كانت النشرة مخالفة لما في القرآن والسنة، أو على النشرة المعروفة عند أهل السحـر والتعزيم- كما قال البيهقي: "القول فيما يكره من النشرة، وفيما لا يكره- كالقول في الرقية(251).
251- انظر السنن الكبرى للبيهقي (9/351).